الدفع بالعملات الرقمية
منذ اول عملية دفع بالعملات الرقمية، وتحديدا بعشرة الاف قطعة بيتكوين عام 2010 مقابل وجبة بيتزا لا يتجاوز سعرها الثلاثين دولارا، الى يومنا هذا، تطور سوق العملات الرقمية بشكل هائل، فبعد ان تجاوزت القيمة السوقية لهذا السوق 2.5 تريليون دولار، بات لا بد للدول والشركات الكبرى من اخذه على محمل الجد.
قد ترجم هذا الامر على ارض الواقع من خلال الدول التي سارعت في تبني عملة البيتكوين كعملة رسمية لها، كدولة السلفادور، والمتاجر الكبرى التي بدأت تقبل الدفع بالعملة الرقمية، واخرها متجر"غوتشي". وحيث ان الكثيرون منا لا يعرف كيف يمكن استعمال العملات الرقمية للدفع مقابل السلع والخدمات، كان لا بد لنا من كتابة هذا المقال، حيث سنوضح فيه كيف تتم عملية الدفع بالعملة الرقمية، وما هي مختلف الوسائل المتاحة لذلك، مع تبيان إيجابيات وسلبيات كل وسيلة.
وفي تعريف للدفع بالعملات الرقمية: هو العملية التي يتم من خلالها نقل ملكية عدد معين من العملات الرقمية داخل ال "بلوكشين" من شخص لآخر، وعادة ما تتم من المشتري الى البائع، وذلك مقابل سلعة او خدمة قدمها البائع للمشتري. وفيما يلي، وبهدف تبسيط المعلومة، سنقوم بوصف معاملة انتقال ملكية العملات داخل ال "بلوكشين" على انها عملية انتقال للعملات من شخص لآخر (مع تأكيدنا على ان العملات لا تنتقل بل تبقى محفوظة داخل ال"بلوكشين" نفسه، وانما ملكية العملة هي التي تنتقل).
وتتم هذه العملية من خلال عدة طرق: "الطريقة المباشرة"، "من خلال وسيط" و "بواسطة احدى بطاقات الائتمان"
الطريقة المباشرة:
تقوم هذه الطريقة على تحويل القيمة المراد سدادها من محفظة الزبون الى محفظة البائع، وليتم هذا الامر يجب ان يكون لدى كل من الطرفين محفظة رقمية، وعلى الزبون ان يسجل العنوان العام لمحفظة البائع يدويا داخل محفظته، ليقوم من بعدها بإرسال القيمة المطلوبة من العملات الرقمية الى هذا العنوان.
ايجابياتها:
- ان هذه الطريقة تؤمن للمرسل حماية لخصوصيته ولهويته، اذ ان البائع لا يمكنه أن يعرف الا العنوان العام لمحفظة الزبون، بعد ان يتلقى منه العملات.
- لا يدفع البائع أي رسم مقابل عملية الدفع.
سلبياتها:
- قد يرتكب الزبون بعض الأخطاء اثناء نقل العنوان العام، اذ انه عادة ما يكون معقدا بعض الشيء، ما يؤدي الى ارسال العملات الى عنوان خاطئ، وبالتالي الى ضياعها.
- قد يخطئ الزبون في اختيار الشبكة المراد ارسال العملات عبرها، ما قد يؤدي الى ضياع العملات.
- قد تستغرق العملات بعض الوقت حتى تصل الى محفظة المتلقي، ما يجعل من هذه الطريقة غير عملية بما فيه الكفاية.
- عند حدوث أي خطأ، فانه على الاغلب غير قابل للتصحيح كون الحوالات تتم مباشرة من محفظة لمحفظة، ولا تمر بالتالي عبر وسيط للدفع.
- ان التقلبات القوية بأسعار العملات الرقمية قد تؤدي الى نزول قيمة العملات التي تلقاها التاجر مقابل السلعة التي باعها او الخدمة التي قدمها، ما قد يكون منفرا للعديد من التجار، خاصة من لا يراهن على مستقبل العملات الرقمية.
من خلال وسيط:
هي طريقة مبتكرة وتحظى بشعبية أكبر لدى أصحاب المتاجر، حيث صممت بعض المنصات هذه الطريقة حتى تبسط عملية الدفع بالعملة الرقمية. تقتضي هذه الطريقة ان يقوم البائع او المستلم أي كان، بإنشاء فاتورة الكترونية عبارة عن رمز QR يحتوي داخله على عنوان المحفظة المراد ارسال العملات اليها، والمبلغ الطلوب سداد قيمته بالعملة الرقمية: مثالا على ذلك إذا أراد الزبون الدفع بعملة البيتكوين مقابل شراء كوب من العصير بقيمة 4 دولار، يقوم البائع بإنشاء فاتورة تحتوي على عنوان محفظة البيتكوين الخاصة به، وعلى مقدار معين من عملة البيتكوين يساوي 4 دولارات قياسا على سعر السوق في ساعتها. ثم يقوم الزبون بمسح ال QR code من خلال التطبيق الخاص به، وبعد بضع ضغطات، تتحول العملات الرقمية مباشرة من محفظة المشتري الى محفظة البائع.
ايجابياتها:
- تتميز هذه الطريقة بالسرعة في عملية السداد، خاصة إذا كان البائع والمشتري يستعملان الخدمة نفسها.
- في حال حدوث أي مشكلة اثناء عملية الدفع، فان مزود الخدمة غالبا ما يوفر خدمة العملاء من اجل حل المشكلات المقدور عليها.
- ان نسبة حدوث الخطأ اثناء نقل العنوان العام للمحفظة من قبل الزبون غير موجودة لأن الامر يتم من خلال مسح رمز ال QR ما يعني انها طريقة أكثر امانا.
- ان بعض مزودي هذه الخدمة اتاحوا ميزة البيع المباشر للعملة الرقمية التي تم استلامها مقابل العملة التقليدية، ما يعني انه مجرد ان تصل العملات المحولة الى محفظة البائع، تقوم هذه الأخيرة ببيعها فورا على سعر السوق، وذلك تجنبا لخطر هبوط قيمتها وتكبد التاجر لخسائر جراء ذلك. ان هذا الامر يؤدي الى زيادة الطلب على خدمة الدفع بالعملات الرقمية من قبل التجار الذين لا يمتلكون أي خبرة في هذا المجال، حتى من قبل من لا يؤمن بمستقبل العملة الرقمية، فيستعملون هذه الطريقة كوسيلة لتوسيع دائرة زبائنهم.
سلبياتها:
- قد يتعرض التاجر لخطر نزول قيمة العملات التي تلقاها، في حال لم يتم الدفع باستعمال عملة مستقرة، او في حال لم يتم تفعيل خاصية البيع المباشر، ما يؤدي الى تكبده بعض الخسائر ولو مؤقتا.
- ان هذه الطريقة تتطلب من المستخدم انشاء حساب على المنصة التي تزود التاجر بخدمة الدفع بالعملة الرقمية، ما يعني إجراءات تحقق من الهوية، وطرف ثالث وسيط بين البائع والزبون الخ... ما قد يؤدي لدى بعض الزبائن الى تجنبها كونها تحد من ميزة اللامركزية وبالتالي من حفظ خصوصيتهم، على عكس الطريقة الأولى.
- ان بعض مزودي هذه الخدمة يفرضون رسوما إضافية، على عكس الطريقة الأولى التي لا تتطلب سوى دفع رسوم الشبكة من قبل المشتري.
- في حال فعل البائع ميزة البيع المباشر، فعليه ان يصرح عن كل عملية بيع يجريها، للإدارة الضريبية في دولته، حيث ان اغلب البلدان لا تفرض ضريبة على العملات الرقمية الا بعد بيعها مقابل العملة التقليدية. الا انه يبقى امامه خيار بيعها مقابل احدى العملات المستقرة، الامر الذي لا يعتبر امنا نتيجة الخطورة التي تمثلها هذه العملات.
من خلال احدى بطاقات الائتمان:
هنالك طريقة أخرى تبنتها العديد من منصات تداول العملات الرقمية في بعض الدول، وهي ميزة الدفع بواسطة ال visa card الذي يمنحونه لزبائنهم. وهنا تجدر الإشارة الى ان هذه الطريقة وان أوحى ظاهرها بانها تؤدي الى الدفع بالعملة الرقمية، الا انها فعليا لا تقوم بذلك، بل ان قسم منها يتطلب ان يبيع من يريد استعمال بطاقته للدفع، مبلغا معينا من العملات الرقمية مقابل العملة التقليدية، ومن ثم يقوم بإرسال هذه الأموال الى بطاقته، ويقوم بالدفع بها واستعمالها متى يريد. والقسم الاخر منها، والذي يعتبر أكثر تطبيقا لمفهوم الدفع بالعملات الرقمية، لا يلزمك بشحن بطاقتك مسبقا، بل كل ما يطلبه هو ان تمتلك في حسابك عملات رقمية يساوي سعرها عند لحظة الشراء، قيمة ما تود شراءه والدفع مقابله، وتقوم المنصة عند حدوث عملية الدفع بواسطة البطاقة، ببيع كمية من العملات الرقمية، تعادل قيمتها المبلغ المراد دفعه، وتسديده مباشرة للبائع. وبالتالي فان كلا الطريقتين لا تعد دفعا مباشرا بالعملة الرقمية.
إيجابيات هذه الطريقة:
- اغلب المنصات، وبهدف التشجيع على استعمال بطاقاتهم واستقدام زبائن جدد إليهم، يقومون بإعطاء نسبة معينة عند كل عملية دفع، تختلف من منصة لأخرى، ومن بطاقة لأخرى، وعادة ما يتم الدفع مقابل استعمال البطاقة بعملة رقمية تابعة للمنصة المانحة للخدمة.
- توفر هذه الميزة وسيلة فعالة لمن يريد سحب أمواله، حيث انها بالإضافة الى استعمالها كوسيلة للدفع، يستطيع العميل استعمالها لسحب أمواله من أي صراف الي يسمح باستعمال بطاقة visa card، ما يوفر، مع طريقة الحوالات المصرفية، وسيلة إضافية لسحب الأموال من المنصة نحو الحساب المصرفي.
سلبياتها:
- كون هذه الطريقة تفترض بيع العملات الرقمية لتأمين المبلغ الكافي من العملة التقليدية لتتحقق عملية الدفع، فهذا يعني انه يجب التصريح للإدارة الضريبية عن كل عملية شراء تتم باستعمال هذه البطاقة.
ان الدفع بالعملة الرقمية، وعلى الرغم من انتشاره الواسع، الا انه وحتى هذه اللحظة، غير منظم بتشريعات خاصة في اغلب دول العالم، ففي فرنسا على سبيل المثال، تترك الحكومة الحرية للتاجر بقبول الدفع بالعملات الرقمية، ولا تضع اي عوائق مباشرة امامه، الا انها تخضعه لنظام ضريبة صارم، حيث تفرض ضريبة قيمتها 30% على الربح المتاتي من بيع العملة الرقمية، وكذلك هو حال العديد من الدول الأوروبية، الا ان دولا أخرى عديدة تعفي حاليا الإيرادات المتاتية من العملة الرقمية من الضريبة، بهدف جذب المستثمرين في هذا المجال اليها كدولة سنغافورة والبرتغال وماليزيا الخ...
فهل اليوم الذي سنشهد فيه تراجعا لدور العملات التقليدية واكتساحا للعملات الرقمية في كافة المجالات بات قريبا، ام هو مجرد حلم خلقه المستثمرون في ادمغتهم املا في ان تحولهم المئة دولار التي استثمروها اليوم في البيتكوين، الى أصحاب ملايين في المستقبل؟
افحص مع الجهات المسؤولة داخل دولتك وتاكد من شرعية الدفع بواسطة العملات الرقمية وضرائبها!
